العبودية الحديثة.. نظام 996 وساعات العمل المتزايدة

<
div class=”wysiwyg wysiwyg–all-content” aria-live=”polite” aria-atomic=”true”>هل يكمن سر النجاح المهني في زيادة ساعات العمل أم في الالتزام بالمهام المحددة؟ الإجابة ليست واضحة تمامًا. في السنوات الأخيرة، انتشرت نصائح ملهمة على منصات التواصل الاجتماعي من رواد الأعمال الناجحين، عربًا وأجانب، تشدد على أهمية التفاني في العمل كوسيلة لتحقيق الأحلام في ريادة الأعمال.
من ناحية أخرى، يحذر الأطباء النفسيون من مخاطر الاحتراق الوظيفي، حيث يؤكدون على أهمية التوازن بين العمل والحياة الشخصية لتحقيق الاستقرار النفسي والعائلي. فهل تؤثر ساعات العمل فعلاً على النجاح المهني والصحة النفسية؟

كيف أصبحت 8 ساعات هي القاعدة؟
حركة “8-8-8”
شهد القرن التاسع عشر ساعات عمل طويلة تراوحت بين 12 إلى 16 ساعة يومياً، ما أثر سلباً على صحة العمال وحياتهم الاجتماعية. وأدى ذلك إلى نشاط حركات عمالية تدعو لتقليل ساعات العمل وتحسين ظروفها، حسبما يوضح المؤرخ الاقتصادي روبرت وابلس.
في نهايات القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين، انتشرت حملة “8 ساعات عمل، 8 ساعات راحة، 8 ساعات للنوم” بقيادة اتحادات العمال في بريطانيا والولايات المتحدة، بهدف تحقيق توازن بين العمل والحياة.
العمل لساعات طويلة حتى القرن العشرين
لم يقتصر العمل لساعات طويلة على القرن التاسع عشر فحسب، بل حتى بعد الحرب العالمية الأولى كان عمال في صناعة الصلب يعملون 84 ساعة أسبوعيًا، أي حوالي 12 ساعة يومياً. كان ذلك غير مقبول اجتماعياً وسببًا رئيسيًا للإضراب العام عام 1919. وعلى الرغم من فشل الإضراب، فإن شركة “يو إس ستيل” قامت بخفض ساعات العمل من 12 إلى 8 ساعات بعد 4 سنوات.
القوانين الدولية
في عام 1919، اعتمدت منظمة العمل الدولية معياراً عالمياً يحدد 8 ساعات عمل يومياً و48 ساعة أسبوعياً كحد أقصى. كما قام هنري فورد، مؤسس شركة فورد للسيارات، في عام 1926 بتطبيق نظام 8 ساعات عمل يومياً و5 أيام في الأسبوع، مما مثل خطوة رائدة نحو تحسين ظروف العمل.
نظام العمل 6 ساعات خلال الكساد الكبير
في ثلاثينيات القرن الماضي، برزت فكرة تقليص يوم العمل إلى 6 ساعات كوسيلة لمواجهة البطالة الناتجة عن الكساد الكبير. تم تطبيق هذا النظام، الذي يقضي بتقليل ساعات العمل اليومية من 8 إلى 6 ساعات مع تخفيض جزئي في الأجور، مما أتاح إعادة توظيف بعض العمال المتعطلين وتوظيف عمال جدد.
بحلول عام 1932، بدأ العمال يتلقون نفس الأجر الذي كانوا يحصلون عليه مقابل 8 ساعات عمل، ولكن على مدى 6 ساعات فقط. هذا التطور جذب الانتباه لفوائد تقليص ساعات العمل دون التأثير على الإنتاجية. بدأت الدعوات تتزايد لتشريع قانون يحدد ساعات العمل اليومية بـ 6 ساعات، وتم تقديم مشروع قانون بهذا الشأن إلى مجلس الشيوخ الأميركي، حيث تم تمريره لكن فشل في مجلس النواب.

قانون معايير العمل العادل (1938)
بعد فشل مشروع قانون الأسبوع المكون من 30 ساعة، واصل المشرعون والنقابات ضغطهم لتحسين ظروف العمل. وقد أسفرت هذه الجهود في أواخر الثلاثينيات عن التوصل إلى حل وسط يحدد معيارًا جديدًا لعدد ساعات العمل.
في عام 1938، وقع الرئيس الأميركي فرانكلين روزفلت على قانون معايير العمل العادل الذي يتضمن:
- تحديد 8 ساعات عمل يومياً و5 أيام أسبوعياً كقاعدة.
- وضع حد أدنى للأجور الفدرالية.
- تقييد عمالة الأطفال.
- إقرار دفع أجور إضافية للعاملين لأكثر من 40 ساعة أسبوعياً.
راحة لم تستمر.. عودة نظام 8 ساعات
على الرغم من أن نظام 6 ساعات يوميًا لاقى صدى إيجابيًا لدى العديد من العمال، فقد بدأ بالتلاشي بحلول الخمسينيات. مع نهاية العقد، عاد معظم العمال إلى نظام 8 ساعات يوميًا، باستثناء بعض العاملات اللاتي استمررن في العمل بنظام 6 ساعات حتى منتصف الثمانينيات.
عندما سُئل العمال عن سبب عودتهم إلى العمل بنظام 8 ساعات، أوضحوا أن الحاجة إلى مزيد من المال كانت أكبر من الرغبة في تقليل ساعات العمل، حيث تغيرت النظرة لوقت الفراغ، وأصبح يُعتبر أقل قيمة من الدخل الإضافي.
ما نموذج 996؟
نظام 996 هو نمط عمل غير رسمي يتبعه بعض الشركات، خاصة في قطاع التكنولوجيا في الصين. يرمز هذا النظام إلى العمل من الساعة 9 صباحًا حتى 9 مساءً، لمدة 6 أيام في الأسبوع، مما يعادل 72 ساعة عمل أسبوعيًا. وقد وُصف بأنه نموذج للعبودية الحديثة.
تتبنى العديد من شركات التكنولوجيا الكبرى هذا النظام لتعزيز الإنتاجية والتنافسية، وهو يُعتبر ضروريًا في بيئة الأعمال السريعة التغير، لكنه يُطبق بشكل غير رسمي ولا يقيده أي قانون. على الرغم من الدعوات لإنفاذ قوانين العمل بصرامة، لا يزال هذا النظام قائمًا في العديد من الشركات.
تأثير ساعات العمل الطويلة على الحياة المهنية والشخصية
مع استمرار النقاش حول التوازن بين الوقت والمال، اكتسب هذا الموضوع أهمية أكبر بعد جائحة كورونا. فقد ألقت الأزمة الضوء على ضرورة إعادة التفكير في مفهوم العمل والحياة، مما دفع العديد من الناس إلى البحث عن طرق أكثر مرونة لتولي مسؤولياتهم دون استهلاك حياتهم في العمل.
الاحتراق الوظيفي والإنتاجية
تسهم الضغوط الناتجة عن عدم التوازن بين العمل والحياة بشكل كبير في الاحتراق الوظيفي، وهو ما يؤثر سلبًا على الإنتاجية. يؤدي هذا الإرهاق إلى نقص في التركيز والانتباه، بالإضافة إلى زيادة في عدد أيام الإجازات المرضية، مما يُعدّ عاملاً إضافيًا يؤثر سلبًا على كفاءة العمل.
لكي يتجاوز الموظفون مثل هذه الضغوط، من الضروري تنفيذ برامج توازن بين العمل والحياة، تشمل عادات مثل الحصول على قسط كافٍ من النوم والنشاط البدني. تشجع هذه البرامج الموظفين على تخصيص وقت لأنفسهم للراحة والاسترخاء، سواء من خلال العلاقات الأسرية أو الأنشطة الشخصية التي تمنحهم السعادة.
تحسين التركيز والإنتاجية
يُعتبر تحقيق توازن أفضل بين العمل والحياة عاملًا مؤثرًا على قدرة الموظف على التركيز والإنتاجية، سواء كان العمل من المنزل أو من المكتب. فالموظف الذي يحصل على قسط كافٍ من الراحة ويمر بفترة توازن أقل ضغطًا، يُظهر قدرة أعلى على الحفاظ على إنتاجيته لفترة أطول. كما أن التحسين في الروح المعنوية يُسهم في تقديم خدمات أفضل.
توجهات الأجيال الجديدة
تختلف توجهات جيل الألفية والجيل “زد” عن الأجيال السابقة فيما يتعلق بساعات العمل. بدأ البعض من هؤلاء الأجيال في إعادة تقييم مدى أهمية التوازن بين الحياة المهنية والشخصية، مما يعكس تغير في أولوياتهم.