ذئب ميونيخ… وتعدد الأسباب

Write in Arabic an excerpt that does not exceed 150 characters, including spaces:

كانت هناك «في الزمانات» اتجاهات في تفسير سلوك العنصر الإرهابي الذي يقتل ويفجّر وينحر، والآن يدهس الناس، بأن هذا السلوك نتيجة خلَل نفسيٍ ما، قاد هذا الشابّ، أو الشابّة، لاقتراف هذه الجريمة.

ثم تختلف السُبُل لدى القائلين بهذا التفسير، عن تحديد العِلّة النفسية، التي يعاني منها هذا الإرهابي، الذي صار مريضاً، ومعلومٌ أن علم النفس بحرٌ واسعٌ، وما زالت أبحاث أهل العلم والخبرة فيه، تتوالى، وغالب من يقدّم هذا التفسير، أصلاً ليس عالماً ولا ممارساً في علم النفس أو الطبّ النفسي، مثل حال كاتب هذه السطور، الذي يقرأ أو يسمع في هذا المجال، ما يقوله أهل العلم فيه، وليس هو منهم، بل ناهلٌ منهم.

مؤخراً، وللمفارقة، في أثناء انعقاد مؤتمر ميونيخ الشهير للأمن في ألمانيا، اقتحم شابٌّ أفغاني، وطالب لجوء أيضاً، هو فرهاد نوري (24 عاماً) بسيارته الرياضية (الميني كوبر) حشداً نقابياً في ميونيخ. راح ضحيته - حتى الآن - من المجروحين 36 شخصاً.

الشابّ حسب صور حساباته على السوشيال ميديا، لا يمكن التوقّع بأن يكون ذئباً داعشياً، لكنه كذلك بالفعل، حسب تقارير الشرطة الألمانية وكذلك إفادة مسؤول في النيابة العامة، ومن جانبه أقرّ الشاب العشريني الموقوف بأنه تعمّد دهس المتظاهرين الذين كانوا يشاركون بمسيرة لنقابة (فيردي) العمالية في المدينة.

حادث الدهس الحديث هذا، أتى بعد 3 أسابيع على حادث طعن شهدته بلدة (أشافنبورغ) التي تبعد ساعات قليلة عن ميونيخ، نفّذه أفغاني أيضاً يبلغ من العمر 28 عاماً، ولا يقين حتى الآن عن دوافعه، هل هي دوافع سابقه، داهس ميونيخ، نفسها، داعشية، أو بسبب غيظه من عدم منحه حق اللجوء؟

الأهمّ في تعليقات المحقّقين الألمان للإعلام هو أن، فرهاد، داهس الناس في ميونيخ: «لا يعاني من مرض نفسي، ولا دليل على وجود مشاكل نفسية لديه».

هذا يعيدنا لما بدأنا به هنا، حول قِدم تفسير سلوك العنصر الإرهابي بخللٍ نفسي ما، وقد بان مع الوقت، قصور، وعشوائية، التفسير بهذه العِلّة، مع تواتر وعمومية العمل الإرهابي، لأناسٍ من خلفيات اجتماعية واقتصادية وتعليمية مختلفة، لكن الذي يجمع بينهم كلهم هو العامل الفكري المحض، والذخيرة التربوية التعليمية، والطريقة التي يُنظر بها للعالم، وللذات، هناك - وهناك فقط - تجد السبب الجامع لكل هذه الفئات من البشر التي استساغت العمل الإرهابي واستباحت أرواح الناس، وأموالهم.

نعم يوجد في كل ثقافات العالم ومجتمعاته، من يفعل ويستجيز مثل ذلك، صحيحٌ، والشواهد كثيرة، لكن ليس عن هذا حديثنا، فأنتَ، المسؤول عن مجابهة هذه الأمراض في حديقتك، ودع حدائق الآخرين لهم، وحتى لو لم يقم الآخرون بتنظيف حدائقهم، فأنت المعنيُّ أولاً بتنظيف دارك وفنائك، خصوصاً أن أمثال فرهاد وبقية الذئاب والضباع، تخوض أولاً في دماء وحياة ومستقبل المسلمين، قبل غيرهم، وهم بكامل وعيهم وعافيتهم النفسية!


مشاري الذايدي
صحافي وكاتب سعودي. عمل في عدة صحف ومجلات سعودية. اشتغل في جريدة المدينة السعودية في عدة أقسام حتى صار عضو هيئة التطوير فيها. ثم انتقل لـ«الشرق الأوسط» من 2003، وتدرَّج بعدة مواقع منها: المشرف على قسم الرأي حتى صار كبير المحررين في السعودية والخليج، وكاتباً منتظماً بها. اختير ضمن أعضاء الحوار الوطني السعودي في مكة المكرمة. وشارك بأوراق عمل في العديد من الندوات العربية. أعدَّ وقدَّم برنامجي «مرايا» وبرنامج «الندوة». في شبكة قنوات «العربية».

قراءة المزيد

ترمب… حاطبُ ليل أم الريح تحطّب له؟

Write in Arabic an excerpt that does not exceed 150 characters, including spaces:

الرئيس الأميركي دونالد ترمب، شخصية معبأة بزمن أميركي فريد. يبدع معاركه المتواصلة في مجالات مختلفة. تنقَّل بين الكبوات والانتصارات. قضى عمره مغامراً، متسلحاً بقوة طموحه المقتحم. حقق مكاسب خيالية في دنيا المال، متسلحاً بقوة المغامرة المهاجمة. قفز إلى عالم السياسة، كما يقفز السباحون من علٍ، إلى أعماق المياه. في المبارزتين الانتخابيتين اللتين أجراهما الحزب الجمهوري، لاختيار مرشحه للرئاسة، ضرب ترمب منافسيه بالقاضية، في المرات الثلاث التي صعد فيها إلى حلبة المنافسة الحزبية. قفازتاه كلماته المجنزرة، التي يهوي بها على ما يقوله خصومه، ويجذب بها الجمهور العاشق للبطل الشعبوي المهاجم. رجل العقارات الملياردير، يؤمن بأن المال هو المحرك لمفاصل الحياة، كما قال بذلك الفيلسوف كارل ماركس. أبدع ترمب خطاباً شعبوياً، مكَّنه من الإنزال وراء الخطوط، كما يخطط العسكريون في معاركهم. العامة يفكرون بجيوبهم. محور برنامجه الانتخابي، التركيز على أن الولايات المتحدة، الدولة الغنية القوية، ضربها الوهن لأن مقدراتها المالية الهائلة، سطا عليها الآخرون، القريبون الذين يندفعون إليها في هجرة غير قانونية، والبعيدون الذين ينهشون أموال أميركا، في ألاعيب تجارية غير منصفة كما يعتقد. واجه سيدتين في جولتيه الانتخابيتين الرئاسيتين، الأولى مع هيلاري كلينتون، والأخرى مع كامالا هاريس، وبينهما جولة مع الرئيس السابق جو بايدن. فاز على السيدتين الديمقراطيتين، وخسر أمام بايدن. للمرة الثانية في تاريخ الولايات المتحدة الأميركية، يتولى شخص الرئاسة في ولايتين منفصلتين.

نجاحات ترمب في معاركه الأميركية الداخلية، جعلته يندفع نحو تفكيك المعادلات الدولية الاقتصادية والسياسية وحتى العسكرية. قرر الانسحاب من اتفاق باريس للمناخ؛ كي ينطلق في استعمال الفحم الحجري، وتوسيع إنتاج النفط والغاز، وانسحب من منظمة الصحة العالمية، وراجع برامج المساعدات الأميركية الخارجية. القضية التي دفعت حلفاءه في حلف شمال الأطلسي، إلى التوجس بل الخوف، دعوته إلى رفع مساهمة كل دولة حليفة، إلى ما لا يقل عن خمسة في المائة من ناتج دخلها القومي، وإن لم يفعلوا، فلن يلتزم بالدفاع عنهم في حالة تعرضهم لعدوان خارجي. يهدف ترمب إلى تحطيم منظومة التجارة العالمية، التي يعتقد أنها ألحقت ضرراً كبيراً باقتصاد الولايات المتحدة. فرض رسوماً جمركية عالية على كل ما يدخل بلاده من الخارج، وبخاصة من دول الاتحاد الأوروبي والمكسيك والصين وتايوان، حيث ميزان التبادل التجاري بين هذه الدول وأميركا، لمصلحة الأولى. توجه ترمب التجاري، هو بمثابة إعلان حرب اقتصادية عالمية واسعة. ردود الفعل الداخلية والخارجية لذلك التوجه، كانت سريعة وقوية. في الداخل الأميركي، ستكون لها آثار على المستهلك؛ إذ سترفع الأسعار وتسبب تضخماً كبيراً، وأميركا لا تستطيع أن تكتفي ذاتياً، وتنتج كل احتياجاتها، سواء في مستلزمات التصنيع، أو المنتجات الاستهلاكية.

اليوم، نسبة مساهمة الولايات المتحدة الأميركية في الاقتصاد العالمي، لا تزيد على 16 في المائة، في حين كانت سنة 1945 بعد الحرب العالمية الثانية، بنسبة 45 في المائة؛ ما مكَّن أميركا من فرض قاعدة بريتون وودز، وهيمنة الدولار الأميركي على المعاملات التجارية الدولية، وفرضه عملة عالمية. توعد ترمب لحلفائه في «الناتو»، وبخاصة مجموعة الاتحاد الأوروبي؛ ما جعل الجميع يدرسون طبيعة العلاقة القادمة مع الولايات المتحدة، في عهد ترمب. هل سيذهب الرئيس إلى تنفيذ نصيحة مستشار الأمن القومي الأميركي الأسبق زبيغنيو بريجينسكي، بأن تتبنى الولايات المتحدة، سياسة إمبريالية حتى مع حلفائها؟

الأمر الأخطر في توجهات ترمب وخطاباته العلنية، هو تفكيك ما رسخ في العلاقات الدولية، منذ معاهدة وستفاليا، وتأسيس منظمة الأمم المتحدة. دعوته إلى ضم كندا إلى الولايات المتحدة، والاستيلاء على جزيرة غرينلاند الدنماركية، والسيطرة على قناة بنما بالقوة. ثالثة الأثافي إعلانه عن مشروعه الغريب العجيب، بتفريغ قطاع غزة من سكانه وترحيلهم جميعاً، إلى كل من مصر والأردن، وتعهده بأن يحول أرض غزة، منتجعات تتوسطها ريفييرا! غزة التي تشهد مذبحة القرن، ودمار العصر، عاشها العالم منقولة على الهواء، ولم يرَ الرئيس الملياردير، في كل تلك الكارثة إلا أرض غزة وبحرها، وهما دنيا الإغراء الاستثماري العقاري. غزة ترمب، كانت الصاعقة التي خلخلت المشروع الترمبي، في داخل أميركا وخارجها. هل القوة والمال يعميان العيون، ويركسان القلوب، ويحيلان الأرض التي تحولت قبراً كبيراً، إلى مساحة جاذبة لمشروع عقاري وهمي؟

عضو مجلس الكونغرس الأميركي، آل غرين دعا إلى حملة داخل الكونغرس الأميركي، تعمل على تنحية الرئيس دونالد ترمب؛ لأنه أراد أن يحوّل كارثة الإبادة الجماعية والتطهير العرقي في غزة، مشروعاً استثمارياً عقارياً، ويندفع إلى تفكيك قواعد العلاقات الدولية التي حققت قدراً كبيراً من السلام والاستقرار الدوليين. في الولايات المتحدة، هناك كوابح قوية لتغول الرئيس، وترمب ليس أقوى من الرئيس الأسبق ريتشارد نيكسون، الذي أزيح بقوة الدستور وإرادة الشعب. إن كانت الرياح قد حطبت لدونالد ترمب مرات، فقد يتحول حاطب ليل، يضع يده في فم أفعى، بدلاً من انتزاع قطعة حطب.


عبد الرحمن شلقم
وزير خارجية ليبيا ومندوب السابق لدى الأمم المتحدة الأسبق، وهو حصل على ليسانس الصحافة عام 1973 من جامعة القاهرة،وشغل منصب رئيس تحرير صحيفة «الفجر الجديد»، ورئيس تحرير صحيفتَي «الأسبوع السياسي» و«الأسبوع الثقافي». كان أمين الإعلام وأمين الشؤون الخارجية في «مؤتمر الشعب العام». وسفير سابق لليبيا لدى إيطاليا. رئيس «الشركة الليبية - الإيطالية». مدير «الأكاديمية الليبية» في روما.

قراءة المزيد

ترمب… حاطبُ ليل أم الريح تحطّب له؟

Write in Arabic an excerpt that does not exceed 150 characters, including spaces:

الرئيس الأميركي دونالد ترمب، شخصية معبأة بزمن أميركي فريد. يبدع معاركه المتواصلة في مجالات مختلفة. تنقَّل بين الكبوات والانتصارات. قضى عمره مغامراً، متسلحاً بقوة طموحه المقتحم. حقق مكاسب خيالية في دنيا المال، متسلحاً بقوة المغامرة المهاجمة. قفز إلى عالم السياسة، كما يقفز السباحون من علٍ، إلى أعماق المياه. في المبارزتين الانتخابيتين اللتين أجراهما الحزب الجمهوري، لاختيار مرشحه للرئاسة، ضرب ترمب منافسيه بالقاضية، في المرات الثلاث التي صعد فيها إلى حلبة المنافسة الحزبية. قفازتاه كلماته المجنزرة، التي يهوي بها على ما يقوله خصومه، ويجذب بها الجمهور العاشق للبطل الشعبوي المهاجم. رجل العقارات الملياردير، يؤمن بأن المال هو المحرك لمفاصل الحياة، كما قال بذلك الفيلسوف كارل ماركس. أبدع ترمب خطاباً شعبوياً، مكَّنه من الإنزال وراء الخطوط، كما يخطط العسكريون في معاركهم. العامة يفكرون بجيوبهم. محور برنامجه الانتخابي، التركيز على أن الولايات المتحدة، الدولة الغنية القوية، ضربها الوهن لأن مقدراتها المالية الهائلة، سطا عليها الآخرون، القريبون الذين يندفعون إليها في هجرة غير قانونية، والبعيدون الذين ينهشون أموال أميركا، في ألاعيب تجارية غير منصفة كما يعتقد. واجه سيدتين في جولتيه الانتخابيتين الرئاسيتين، الأولى مع هيلاري كلينتون، والأخرى مع كامالا هاريس، وبينهما جولة مع الرئيس السابق جو بايدن. فاز على السيدتين الديمقراطيتين، وخسر أمام بايدن. للمرة الثانية في تاريخ الولايات المتحدة الأميركية، يتولى شخص الرئاسة في ولايتين منفصلتين.

نجاحات ترمب في معاركه الأميركية الداخلية، جعلته يندفع نحو تفكيك المعادلات الدولية الاقتصادية والسياسية وحتى العسكرية. قرر الانسحاب من اتفاق باريس للمناخ؛ كي ينطلق في استعمال الفحم الحجري، وتوسيع إنتاج النفط والغاز، وانسحب من منظمة الصحة العالمية، وراجع برامج المساعدات الأميركية الخارجية. القضية التي دفعت حلفاءه في حلف شمال الأطلسي، إلى التوجس بل الخوف، دعوته إلى رفع مساهمة كل دولة حليفة، إلى ما لا يقل عن خمسة في المائة من ناتج دخلها القومي، وإن لم يفعلوا، فلن يلتزم بالدفاع عنهم في حالة تعرضهم لعدوان خارجي. يهدف ترمب إلى تحطيم منظومة التجارة العالمية، التي يعتقد أنها ألحقت ضرراً كبيراً باقتصاد الولايات المتحدة. فرض رسوماً جمركية عالية على كل ما يدخل بلاده من الخارج، وبخاصة من دول الاتحاد الأوروبي والمكسيك والصين وتايوان، حيث ميزان التبادل التجاري بين هذه الدول وأميركا، لمصلحة الأولى. توجه ترمب التجاري، هو بمثابة إعلان حرب اقتصادية عالمية واسعة. ردود الفعل الداخلية والخارجية لذلك التوجه، كانت سريعة وقوية. في الداخل الأميركي، ستكون لها آثار على المستهلك؛ إذ سترفع الأسعار وتسبب تضخماً كبيراً، وأميركا لا تستطيع أن تكتفي ذاتياً، وتنتج كل احتياجاتها، سواء في مستلزمات التصنيع، أو المنتجات الاستهلاكية.

اليوم، نسبة مساهمة الولايات المتحدة الأميركية في الاقتصاد العالمي، لا تزيد على 16 في المائة، في حين كانت سنة 1945 بعد الحرب العالمية الثانية، بنسبة 45 في المائة؛ ما مكَّن أميركا من فرض قاعدة بريتون وودز، وهيمنة الدولار الأميركي على المعاملات التجارية الدولية، وفرضه عملة عالمية. توعد ترمب لحلفائه في «الناتو»، وبخاصة مجموعة الاتحاد الأوروبي؛ ما جعل الجميع يدرسون طبيعة العلاقة القادمة مع الولايات المتحدة، في عهد ترمب. هل سيذهب الرئيس إلى تنفيذ نصيحة مستشار الأمن القومي الأميركي الأسبق زبيغنيو بريجينسكي، بأن تتبنى الولايات المتحدة، سياسة إمبريالية حتى مع حلفائها؟

الأمر الأخطر في توجهات ترمب وخطاباته العلنية، هو تفكيك ما رسخ في العلاقات الدولية، منذ معاهدة وستفاليا، وتأسيس منظمة الأمم المتحدة. دعوته إلى ضم كندا إلى الولايات المتحدة، والاستيلاء على جزيرة غرينلاند الدنماركية، والسيطرة على قناة بنما بالقوة. ثالثة الأثافي إعلانه عن مشروعه الغريب العجيب، بتفريغ قطاع غزة من سكانه وترحيلهم جميعاً، إلى كل من مصر والأردن، وتعهده بأن يحول أرض غزة، منتجعات تتوسطها ريفييرا! غزة التي تشهد مذبحة القرن، ودمار العصر، عاشها العالم منقولة على الهواء، ولم يرَ الرئيس الملياردير، في كل تلك الكارثة إلا أرض غزة وبحرها، وهما دنيا الإغراء الاستثماري العقاري. غزة ترمب، كانت الصاعقة التي خلخلت المشروع الترمبي، في داخل أميركا وخارجها. هل القوة والمال يعميان العيون، ويركسان القلوب، ويحيلان الأرض التي تحولت قبراً كبيراً، إلى مساحة جاذبة لمشروع عقاري وهمي؟

عضو مجلس الكونغرس الأميركي، آل غرين دعا إلى حملة داخل الكونغرس الأميركي، تعمل على تنحية الرئيس دونالد ترمب؛ لأنه أراد أن يحوّل كارثة الإبادة الجماعية والتطهير العرقي في غزة، مشروعاً استثمارياً عقارياً، ويندفع إلى تفكيك قواعد العلاقات الدولية التي حققت قدراً كبيراً من السلام والاستقرار الدوليين. في الولايات المتحدة، هناك كوابح قوية لتغول الرئيس، وترمب ليس أقوى من الرئيس الأسبق ريتشارد نيكسون، الذي أزيح بقوة الدستور وإرادة الشعب. إن كانت الرياح قد حطبت لدونالد ترمب مرات، فقد يتحول حاطب ليل، يضع يده في فم أفعى، بدلاً من انتزاع قطعة حطب.


عبد الرحمن شلقم
وزير خارجية ليبيا ومندوب السابق لدى الأمم المتحدة الأسبق، وهو حصل على ليسانس الصحافة عام 1973 من جامعة القاهرة،وشغل منصب رئيس تحرير صحيفة «الفجر الجديد»، ورئيس تحرير صحيفتَي «الأسبوع السياسي» و«الأسبوع الثقافي». كان أمين الإعلام وأمين الشؤون الخارجية في «مؤتمر الشعب العام». وسفير سابق لليبيا لدى إيطاليا. رئيس «الشركة الليبية - الإيطالية». مدير «الأكاديمية الليبية» في روما.

قراءة المزيد

فَكُنْ أَنْتَ الَّذِي يَتَأَخَّرُ

Write in Arabic an excerpt that does not exceed 150 characters, including spaces:

وَبَيتُ القَصِيدِ، اليَومَ، فيه كَثِيرٌ مِنْ مَعَانِي المَحَبَّةِ الخَالِصَةِ، وَالأُخُوَّةِ الثَّابِتَةِ، وَالصَّدَاقَةِ المَتِينَةِ، عِنْدَمَا تَمَنَّى الشَّاعِرُ أَنْ تَتَقَدَّمَ وَفَاتُهُ وَفَاةَ صَاحِبِهِ، فَقَالَ:

إِذَا مَا أَتَى يَوْمٌ يُفَرِّقُ بَيْنَنَا

بِمَوْتٍ فَكُنْ أَنْتَ الَّذِي يَتَأَخَّرُ

وَضِدُّهُ رُبَّمَا بَيْتُ الشّعْرِ المُتَنَازَعُ أيضاً علَى قَائِلِهِ:

كِلَانَا غَنِيٌّ عَنْ أَخِيهِ حَيَاتَهُ

وَنَحنُ إذَا مِتنَا أشَدُّ تَغَانِيَا

وَ(حَيَاتَهُ) مَنْصُوبٌ بِنَزْعِ الخَافِضِ.

وَمِثلُ كَثِيرٍ مِنْ أَبْيَاتِ الشّعْرِ العَرَبِيّ، اختُلِفَ فِي نِسْبَةِ البيتِ، فنُسِبَ لِغَيرِ شَاعِرٍ، فَقِيلَ إنَّ قَائِلَهُ: حَاتِمٌ الطَّائِيّ، وَقِيلَ: الأَقْرَعُ بنُ حَابِسٍ، وَيُروَى البَيْتُ أيْضاً، مَنْسُوباً للأَغَرِّ بنِ حَابِسٍ العَبْدِيِّ.

قَالَ إبْرَاهِيمُ الصُّولِي: إنَّ قَوْلَهُمْ: «قَدَّمَنِي اللهُ قَبْلَكَ» مَأخُوذٌ مِنَ البَيْت.

وَذَكَرَ ابْنُ رَشِيقٍ فِي «العُمْدَة» أَنَّ الكُتَّابَ أَخَذُوا قَولَهُمْ: «قُدِّمْتُ قَبْلَكَ» مِنْ بَيْتِ القَصِيد، وَنَسَبَهُ لِلأقْرَعِ بنِ حَابِسٍ، أوْ لِحَاتِمٍ.

قَالَ أَبُو هِلَالٍ العَسْكَرِيّ: وَأَوَّلُ مَنْ أَشَارَ إلَى هَذهِ اللّفْظَةِ، فَأَخَذَهَا النَّاسُ مِنْهُ، حَاتِم الطَّائِيّ، وَأشَارَ إلَى أنَّ قَولَهُمْ: «قَدَّمَنِي اللهُ قَبْلَكَ» مَأْخُوذٌ مِنْ بَيْتِ حَاتِمٍ.

وَأَبُو الطَّيّبِ يَقُولُ فِي لَحْظَةِ صِدْقٍ:

أَرَى كُلَّنَا يَبْغِي الحَيَاةَ بِسَعْيِهِ

حَرِيْصاً عَلَيْهَا مُسْتَهَامـاً بِهَا صَبَّا

ثُمَّ بيَّنَ أنَّ حُبَّ النَّفْسِ جَعَلَ الجَبَانَ يَتَّقِي القِتَالَ، والحُبَّ ذَاتَهُ أَوْرَدَ الشُّجَاعَ الحَربَ.

لَكِنَّ شَاعِرَنَا فِي بَيْتِ القَصِيدِ جَعلَهُ حُبُّهُ لِصَديقِهِ يَطْلُبُ مِنْهُ إذَا حلَّ فِرَاقُ المَوْتِ أنْ يَكُونَ هُوَ المتأخرَ، وَالمَعْنَى: أنْ يَكُونَ مَوْتُ الشَّاعِرِ قَبْلَ مَوْتِ الصَّدِيق!

فِي العَامِيَّةِ، يُقَالُ: «جعلْ يَومِي قَبلْ يَومكْ»، أيْ: جَعَلَ اللهُ يَوْمَ مَنِيَّتِي قَبْلَكَ، وَهُوَ مَعْنَى بَيتِ القَصِيدِ ذَاتُهُ.

هَلْ يُريدُ الشَّاعِرُ، وَالقَائِلُ، أنْ تَتَأخَّرَ وَفَاةُ الصَّدِيقِ، لِيَسْتَمْتِعَ بِالحَيَاةِ مُدَّةً أَطْوَلَ؟! أمْ يُرِيدُ أنْ يَرحَلَ قَبلَ صَاحِبِهِ، تَجَنُّباً لِآلَامِ فِرَاقِ الصَّدِيقِ؟!

يَظهَرُ أنَّ الخِيَارَ الثَّانِي أكْثَرُ حُضُوراً فِي الذّهْنِ... فَمِنَ المَقُولَاتِ فِي اللَّهْجَةِ العَامِيَّةِ قَوْلُهُمْ: «جعلني مَا أذوقْ حُزنكْ»، أيْ، لَا جَعَلَنِي اللهُ أذُوقُ حُزْنَ فِرَاقِكَ. وَالقَصْدُ: أنْ تَتَقَدَّمَ وَفَاةُ القَائِلِ وَفَاةَ السَّامِع!

وَكَمَا يفقِدُ المَرْءُ الصَّدِيقَ الوَاحِدَ، يُفْقَدُ الجَمْعُ مِنَ النَّاسِ إذَا رَحَلُوا، ويُحْزَنُ عَلَيْهِمْ.

رَوَى الزُّهْرِيُّ عَنْ عُرْوَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ عَائِشَةَ تَقُولُ: قَالَ لَبِيدُ:

ذَهَبَ الَّذِينَ يُعَاشُ فِي أَكْنَافِهِمْ

وَبَقِيتُ فِي خَلْفٍ كَجِلْدِ الْأَجْرَبِ

يَتَحَدَّثُونَ مَخَـانَةً وَمَلَاذَةً

وَيُعَابُ قَائِلُهُمْ وَإِنْ لَمْ يَشْغَبِ

قَالَتْ: «فَكَيْفَ لَوْ أَدْرَكَ لَبِيدٌ قَوْمًا نَحْنُ بَيْنَ ظَهْرَانَيهِمْ؟»...

قَالَ عُرْوَةُ: «كَيْفَ بِعَائِشَةَ لَوْ أَدْرَكَتْ مَنْ نَحْنُ بَيْنَ ظَهْرَانَيْهِم؟»...

قَالَ الزُّهْرِيُّ: «وَكَيْفَ لَوْ أَدْرَكَتْ عَائِشَةُ مَنْ نَحْنُ بَيْنَ ظَهْرَانَيهِمُ الْيَوْمَ؟».

قَوْلُهُ: «في خَلْفٍ»، يُقالُ: هو «خَلْفُ فلانٍ» لمن يَخْلُفُهُ مِنْ رَهْطِهِ، وَهَؤلَاءِ «خَلْفُ فلانٍ»؛ إذَا قَامُوا مَقَامَهُ مِنْ غَيْرِ أَهْلِهِ، وَقَلَّمَا يُسْتَعْمَلُ «خَلْفٌ» إلَّا فِي الشَّرِّ.

وَ«المَخَانَةُ»: مَصْدَرٌ مِنَ الخِيَانَة.

وَ«المِلْوَذُ»: الرَّجُلُ الَّذِي لا يَصْدُقُ في مَوَدَّتِهِ. (الكَامِل)، لِلْمُبَرّد. وَعِنْدَهُ:

أنَّ رَجُلًا قَالَ لِمَعْنِ بنِ زَائِدَةَ، فِي مَرَضِهِ:

لَوْلَا مَا مَنَّ اللهُ بِهِ مِنْ بَقَائِكَ، لَكُنَّا كَمَا قَالَ لَبِيدٌ:

ذَهَبَ الّذِينَ يُعَاشُ فِي أَكْنَافِهِمْ

وَبَقِيتُ فِي خَلفٍ كَجِلْدِ الأَجْرَبِ

فَقَالَ لَهُ مَعْنٌ:

إنَّمَا تَذْكُر أَنِّي سُدْتُ حِينَ ذَهَبَ النَّاسُ! فَهَلَّا قُلتَ كَمَا قالَ نَهارُ بنُ تَوْسِعَةَ:

قَـلَّـدَتْـهُ عُـرَى الأُمُـورِ نِـزَارٌ

قَـبْـلَ أَنْ تَـهْـلِـكَ الـسَّـرَاةُ البُـحُـوْرُ


تركي الدخيل

قراءة المزيد

شو الأخبار

Write in Arabic an excerpt that does not exceed 150 characters, including spaces:

مثلما لكل شيخ طريقة، لكل طبيب طريقة أيضاً. وعندما تتعرف إلى طبيب جديد لا بد من زيارته أكثر من مرة كي تتعرف إلى طريقته، وتعرف، مثلاً، إذا كان يطلب منك أخذ علاج معين، أو يستشيرك في الأمر.

لم يكن لديّ أي شك في مهارة الطبيب الجديد، أو في اهتمامه وحرصه، لكن المشكلة أنه يطرح كل شيء في صيغة السؤال، وكأن الطبيب جنابُك وليس علومه: «أنت طبعاً بتحب الكيوي مع العسل عالصبح، مش هيك».

يطرح السؤال وهو يتطلع من النافذة كأن الجواب سوف يأتي من الخارج. أو يؤنبك وهو يوجه الحديث إلى الممرضة: «ليش الناس بتهمل حالها هالقد. مش لازم. مش لازم. على كل حال أعطي الأستاذ موعداً سريعاً. ما بيصير هيك. ما بيصير».

من يخاطب الحكيم؟ ليس في العيادة سوى هو، والممرضة، ومريضهما. ومع ذلك يوجه الكلام إلى شخص رابع. وبكل عناية، وبعد أن يقرأ تقريراً أمامه على الكمبيوتر، تبدو على وجهه معالم أكثر جديّة.

يزيح «اللاب توب» جانباً، ويستأنف الحديث مع الممرضة: «مش مظبوط هيك. مش مظبوط. وشو عليه إذا الواحد حمل عكاز؟ عيب الواحد يستعمل عكاز؟ شو فيها؟ وحتى (الووكر) مش عيب». ثم يتأمل «اللاب توب» مرة أخرى، ويقرر هذه المرة أن يتحدث إلى المريض مباشرة: «على الأستاذ أن يجري الفحوصات التالية، والصور التالية، والمنظار التالي. تأملت الممرضة أستجدي منها نظرة عطف، فأدارت ظهرها، وتصنعت بأنها تمسح المكتب».

الطبيب من أمامكم والجدران من حولكم. سألت الحكيم في صوت متهدج: هل سوف يستغرق ذلك وقتاً طويلاً؟ من دون أن يلتفت إلي، قال وهو يخاطب نفسه: وما هو الذي يستغرق وقتاً طويلاً؟ قلت العكاز والووكر و«الأستاذ» متكئ مرة على هذا ومرة على ذلك. قال: أنتَ وجهدك، حاول. شكرته وقمت أسدد الفاتورة، فرفض تماماً. لكنه يريد أن يعرف مني عما يحصل. قال: «ما سألناك شو الأخبار»؟ قلت، وقد أصبحت عند الباب: «أخبار»؟ أي أخبار؟ عدم رائحة بارود في كل مكان...!


سمير عطا الله
كاتب عربي من لبنان، بدأ العمل في جريدة «النهار»، ويكتب عموده اليومي في صحيفة «الشرق الأوسط» منذ 1987. أمضى نحو أربعة عقود في باريس ولندن وأميركا الشمالية. له مؤلفات في الرواية والتاريخ والسفر؛ منها «قافلة الحبر» و«جنرالات الشرق» و«يمنى» و«ليلة رأس السنة في جزيرة دوس سانتوس».

قراءة المزيد

مرّة أخرى: من السياسة السياسيّة إلى السياسة المجتمعيّة

Write in Arabic an excerpt that does not exceed 150 characters, including spaces:

لوحظت، في الأسابيع القليلة الماضية، ظاهرة لافتة هي التجاور بين أقصى الابتهاج وأقصى الحذر عند أكثريّات سوريّة ولبنانيّة. فمن غير أن يختفي الابتهاج، أطلّ الحذر مقروناً بالريبة عند البعض، وبالنقد عند البعض، وبالنقض المشوب باليأس عند بعض ثالث. وفي خلفيّات تلك المشاعر لاحت أسئلة مشروعة حول العلاقات الأهليّة في المجتمعين، والقدرة التي تملكها طواقم الحكم الجديدة على رأب تلك العلاقات المتصدّعة، أو امتصاص طاقتها الانفجاريّة. فكأنّنا، في هذه المنطقة من العالم، محكومون بأفراح تساكنها الهواجس، واضطراب يتخلّل تعقّل الأشياء، جاعلاً من المؤقّت دائماً، ومن الترقّب رياضة وطنيّة.

وإذا كان آل الأسد قد أحكموا صدّ سوريّا عن السياسة، فاللبنانيّون لديهم، في 14 مارس (آذار) 2005 و17 أكتوبر (تشرين الأول) 2019، تمرينان على اختلاط التوقّع وانقلاب الآمال على نفسها وعلى أصحابها.

لكنّ مَن هم بيننا أشدّ ميلاً إلى الحذر، وأقلّ ثقة بظاهر الأمور، يخشون أحداثاً سابقة عرفها الجوار ويجدون فيها ما يعزّز حذرهم. ففي العراق مثلاً، لم يدم طويلاً احتفال العراقيّين بإطاحة نظام صدّام، بل ذهب بعضهم إلى التحسّر على عهده المتخم بالفظاعات. أمّا الليبيّون فما كادوا ينتهون من إهالة التراب على القذّافي حتّى عصفت بهم حرب أهليّة.

وما من شكّ في أنّ خلافات كثيرة تحمل على التمييز بين العناوين أعلاه، بعضها يتّصل بالبلدان وبعضها يتعلّق بالمراحل الزمنيّة أو بتفاوت أحجام الانتكاسات. مع هذا، ربّما آن أوان القول الصريح بأنّ بلداننا بلا داخلٍ يُعوَّل عليه، أو أنّها ذات دواخل متنازعة ذاتيّاً بعضُها ينفي بعضها الآخر. وهذا ما يعطي أدوار الخارج، بالسلبيّ منها والإيجابيّ، أحجاماً استثنائيّة، ويجعل الحديث عن «السيادة»، بنتيجة «الصراع على» بلداننا، إنشاءً محضاً.

وفي تجارب البلدان المذكورة يتصدّر اللوحةَ تحطّم الولاء الوطنيّ على يد النقيضين، الأنظمة الأمنيّة العسكريّة وحركات الإسلام السياسيّ، أو، في حالة لبنان، تحالف المحاصّة الطائفيّة الفاسدة واحتواء الحياة السياسيّة بالميليشيات وبأقنوم المقاومة السحريّ. وبهذه المعاول هُدّمت الوطنيّات حديثة النشأة وضمر كلّ اتّفاق حول الوطن ومعناه. فسؤال «من نحن؟» لا يزال يعثر على عديد الإجابات في كلّ واحد من البلدان، وحتّى حين يظهر إقرار جامع بالاسم الرسميّ للبلد بوصفه هويّةَ أمر واقع وظيفيّ، فإنّ مضمون تلك الوطنيّة ووجهتها يبقيان مادّة خلاف وتباين. فهل «اللبنانيّة» مثلاً تنطوي تعريفاً على مقاتلة إسرائيل أم على إبقاء لبنان بمنأى عن الحروب؟ وهل «العراقيّة» تتضمّن بذاتها موقفاً متوجّساً من إيران أو موقفاً يحضّ على الالتحاق بها؟ أمّا في سوريّا، فيُنبئنا بالكثير ذاك الخلافُ المتجدّد دوماً حول ما إذا كانت الجمهوريّة «سوريّة» فحسب، أم «عربيّة سوريّة»، وهذا فضلاً عن حرب العلمين.

وبالطبع كان ضعف النسيج الوطنيّ لبلداننا، وقبل أن تفاقمه الأنظمة العسكريّة والميليشيات وتفشّي الفساد، قد تغذّى على بضعة عوامل: فهناك الميراث العريق في رفض «دويلات سايكس بيكو» من دون امتلاك بديل عنها ما خلا التجربتين البائستين لمملكة فيصل في دمشق ولـ»الجمهوريّة العربيّة المتّحدة». ولأسباب يكثر تعدادها، بقيت القوى الحديثة والحداثيّة نُوىً، ولم تتحوّل فاعلاً سياسيّاً مؤثّراً يتجاوز الطوائف والإثنيّات، أو يستولد روابط تتعدّى الأهليّ منها. وهي حقيقة كانت تُظهّرها خصوصاً لحظات الاستقطاب الحادّ التي تتعاظم معها الحاجة إلى القوى السياسيّة وتدخّلها فيما لا يلبث أن يبدو تدخّل كهذا أمنية بلا حظوظ. وهكذا تروح سجالاتنا تصطبغ بقدر معتبر من الثأريّة، وباستدعاء الأصول والتواريخ الأقدم عهداً، كما تواكبها منافسات ريفيّة المصدر حول «البطولة» و»الرجولة» و»الشهادة»...

فمجتمعاتنا، بالتالي، لا تنتفع كثيراً بالرواية الحداثيّة المبسّطة التي تنهض على ثنائيّة «الشعب» و»النظام»، أو «المجتمع» مقابل «السلطة»، وما ينجرّ عن هذه المقاربة من ثنائيّات فقيرة عن «الوطنيّ» و»غير الوطنيّ»، و»الفاسد» و»غير الفاسد»، و»البورجوازيّ» و»الكادح»، بحيث ننتظر هطول ثورة أو إصلاح يقضيان على الطرف السيّئ وينصران الطرف الجيّد. وبعيداً من ذاك التبسيط، لا يكون الوسط بين قطبي الثنائيّة مرشّحاً للاضمحلال بالمعنى الذي رأت فيه الماركسيّة الأوروبيّة أنّ «الفرز» سوف يشقّ البورجوازية الصغيرة ما بين بورجوازية وبروليتاريا.

وهذا لا يلغي تفوّق طرف على طرف في النزاعات السياسيّة المألوفة، أكان لجهة قربه من وعي المسألة الوطنيّة أو بُعده عن الوعي الراديكاليّ بحاملَيه العسكريّ والمقاوم، إلاّ أنّه يذهب في تعقّب مشكلتنا إلى ما وراء السياسة بمعناها المألوف ذاك. فعندنا يتبدّى المجتمع مجتمعاتٍ، وثقافتُه ثقافاتٍ، تماماً كما أنّ وحدة السلطة نفسها تبقى عرضة للتفكّك تحت وطأة التنافر الأهليّ، الطائفيّ والإثنيّ والمناطقيّ، وضغطه. فإذا استخدمنا لغة الفنّ قلنا إنّها مجتمعات ثلاثيّة الأبعاد، لا ثنائيّتها، سطحُها لا يقتصر على بُعدين، كالارتفاع والعرض، بل ينهض، في آن واحد، على ارتفاع وعرض وعمق... وهذا ما يستحقّ حصّةً من التفكير الذي ينصبّ كلّه، في يومنا هذا، على السياسة السياسيّة.


حازم صاغية
مثقف وكاتب لبناني؛ بدأ الكتابة الصحافية عام 1974 في جريدة «السفير»، ثم، منذ 1989، في جريدة «الحياة»، ومنذ أواسط 2019 يكتب في «الشرق الأوسط». في هذه الغضون كتب لبعض الصحف والمواقع الإلكترونية، كما أصدر عدداً من الكتب التي تدور حول السياسة والثقافة السياسية في لبنان والمشرق العربي.

قراءة المزيد

«فلتتنحَّ حماس»

Write in Arabic an excerpt that does not exceed 150 characters, including spaces:

العنوان أعلاه ليس رأيي، بل هو رأي الأمين العام لجامعة الدول العربية، أحمد أبو الغيط، الذي قال: «فلتتنحّ حماس إذا اقتضت المصلحة الفلسطينية ذلك»، وهذا هو الرأي الصواب في ظل الأزمة المتصاعدة في المنطقة، وهي أزمة خطرة.

نعم، المصلحة الفلسطينية تقتضي ذلك، وتصريح أبو الغيط هذا لقناة «العربية» هو الأهم، والأوضح، بل وصوت العقل، وهو ما يجب أن يقال أيضاً عربياً، وقبل هذا وذاك من قِبل السلطة الفلسطينية نفسها.

وليس في القصة عاطفة، بل خطر حقيقي على غزة، والقضية برمتها، وخطر لا لبس فيه على كل من الأردن ومصر، والأمن القومي العربي برمته، ومن شأن ما يحدث الآن، وما قد يترتب عليه، إعادة التطرف والإرهاب إلى المنطقة.

عندما يتحدث الرئيس الأميركي دونالد ترمب عن أن غزة باتت «قطعة عقارية»، ويريد تملكها، وتهجير أهل غزة، ولن يسمح لهم بالعودة، فإن هذا حديث خطر، وليس مزاحاً، وحتى لو كان غير قابل للتنفيذ، فإن الخطورة هنا هي في التبعات، وليس في كونه يُنفَّذ أو لا.

وعندما يلوح الرئيس ترمب بأنه على استعداد لقطع المعونات عن الأردن ومصر، فهذا ليس تهديداً وحسب، بل هذا تلويح بضرب أسس أهم عملية سلام عقدت في المنطقة، وهي اتفاقية كامب ديفيد بين مصر وإسرائيل.

وعندما يقول الرئيس ترمب، وهو أمر غير مسبوق، إنه إذا لم يطلَق سراح الرهائن الإسرائيليين في غزة، السبت المقبل، وتحديداً الساعة الـ12 ظهراً، «فليندلع الجحيم» فهذا ليس مزاحاً أيضاً، بل يعني أنها ستكون أول حرب إسرائيلية في المنطقة بمباركة رئيس أميركي.

وعليه، فكل ذلك ليس بمزاح، ولا يمكن التقليل منه، أو الركون إلى ما يريده الشارع، وهو الأمر الذي لم يثبت صوابه طوال أمد الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، أو الصراع الإسرائيلي العربي. وهنا علينا تذكر أمر مهم.

فرغم كل التصعيد في تصريحات الرئيس ترمب، فإن وزير خارجيته، وعدداً من مسؤولي إدارته، قالوا بوضوح إن على من يرفض التهجير، وكل ما يطرحه ترمب، التقدم بخطة بديلة، أو أفضل.

وأعتقد أن أول خطوة هي ما دعا إليه الأمين العام للجامعة العربية أحمد أبو الغيط، أن تتنحى «حماس» عن المشهد، لأن المصلحة الفلسطينية، والعربية، تقتضي ذلك. وتنحي الحركة أقل ضرراً من المساس بأمن مصر والأردن، والقضاء على غزة.

هناك حرب وقعت، وهناك واقع لا يمكن إنكاره، مهما تحدثت «حماس»، أو إيران، عن انتصار وهمي. وها هي إيران قبلت بتوقيع وقف إطلاق نار في لبنان لأنها أدركت أن «حزب الله» هزم، وتحاول حماية ما تبقى منه، وغزة وأهلها أولى بهذه العقلانية، وإدراك الحقائق.

والأمر الآخر هنا، وهو ما يدركه الجميع، ومهما قيل ويقال، فلا إعادة إعمار، ولا تمويل، بوجود «حماس»، ومن أصلاً مستعد لإعادة إعمار منطقة قد تنشب بها الحرب السادسة، وقبل رفع الأنقاض؟

لذا؛ فلا مجال لتجريب المجرب، هناك واقع، وهناك مخاطر، ولا بد من التصدي لها بعقلانية، وبلا شعارات أو عاطفة، وعلى «حماس» نفسها إدراك ذلك.


طارق الحميد
صحافي سعودي، عمل مراسلاً في واشنطن. تدرَّج في مناصب الصحيفة إلى أن أصبحَ رئيس تحرير «الشرق الأوسط» من 2004-2013، ورئيس تحرير مجلة «الرجل» سابقاً. محاضر دورات تدريبية في الإعلام، ومقدم برنامج تلفزيوني حواري، وكاتب سياسي في الصحيفة.

قراءة المزيد

سعد بريشة العقاد

Write in Arabic an excerpt that does not exceed 150 characters, including spaces:

كُتب الكثير في دراسة الشخصية المصرية، لكن من الصعب التوصل إلى نموذج واحد لشخصية مرّت في تحولاتٍ شتى خلال آلاف السنين. هل هي في بعض الزعماء الذين برزوا في التاريخ منذ الفراعنة حتى اليوم، أم هي في الفلاح المصري الأسطوري؟ هو أيضاً وقصته شبه الخيالية مع النيل والصعيد؟ أم في أبو الهول في صمته الغامض؟

حاولت انتقاء شخصية تمثّل ملامح مصر دون سواها. وسوف أغامر - ربما إلى درجة التهوّر - في القول إن سعد زغلول كان الرجل الأقرب إلى تلك الصورة. وقد تسنّى لكتّاب كثيرين أن يتعمّقوا في توصيفه. ولعلَّ أهمّهم وأقدرهم كان عباس محمود العقّاد. أُعجب العقاد بزعيم «الوفد» وحاول أن يرسم كتابة صورة فوتوغرافية، ليس عن رمزيته وألمعيته فحسب، بل أيضاً عن معالمه البارزة. ولم يتردد العقاد في القول إن الشخصية الكاريزمية تحتاج إلى قامة معينة، وليس فقط إلى مواهب أدبية. قال في «شخصيته وأخلاقه»: «إن سعد زغلول قوة نفس وقوة بدن»، من الزعماء الذين أثبتوا صدق القائلين إن متانة البنيان شرط لازم لمن ينهضون بقيادة الأمم ويضطلعون بأعباء السياسة ومصاعب الأمور. تعاوده الأسقام في شيخوخته، ولكنها لم تسلبه ما ركب فيه من الجلَد والصلابة ومكافحة الأسقام، كما كان يكافح العطوب، وعلى الرغم من الربو وتصلب الشرايين وضغط الدم وداء السكر وداء الزلال، بقي الشيخ المسكين قادراً على عمله، ماضياً في تنشيط ما وصل إليه في انبساط نفس وتجدد إقبال.

تراه فترى من النظرة الأولى أنك على مقربة من رجل ممتاز في الصورة كامتيازه في الطبيعة، وطلعته تذكرك على الفور طلعة الأسد في بأسه، ونبله، وليس بين الوجوه الآدمية ما هو أشبه بالأسد في قسماته ومهابته من وجه سعد زغلول.

له قامة مديدة ووجه أقرب إلى البياض ورأس مستطيل، وجبين يميل إلى السعة، وينحدر قليلاً إلى الأعلى، وعينان ثاقبتان فيهما انحراف قليل نحو اللحاظ، يطبقهما أحياناً عند الحماس والغضب، فلا تنفتحان إلا بمقدار ما ينطلق منهما الشعاع كأنه سهم نافذ، وله صدغان ناتئان وأذنان بسطاوان، وأنف منفرج واسع المنخرين، وفم أحمر الشدقين، كما يصف العرب أفواه الخطباء، وذقنه من تحت ذلك بارزة في غير حدّة ولا استعراض كثير، كأنه مفصل من زوايا حديد، لا من اللحم والعظام.

يحمل ذلك الوجه عمقاً راسخاً على منكبين عريضين وصدر... نفذ الرصاص عن قرب إلى ذلك الصدر، فاندمل الجرح بعد أيام، وتألبت أسقام الشيخوخة وسكرات الموت ونبضه لم يزل موزوناً «سليماً» إلى ما قبل الموت بساعات معدودات.


سمير عطا الله
كاتب عربي من لبنان، بدأ العمل في جريدة «النهار»، ويكتب عموده اليومي في صحيفة «الشرق الأوسط» منذ 1987. أمضى نحو أربعة عقود في باريس ولندن وأميركا الشمالية. له مؤلفات في الرواية والتاريخ والسفر؛ منها «قافلة الحبر» و«جنرالات الشرق» و«يمنى» و«ليلة رأس السنة في جزيرة دوس سانتوس».

قراءة المزيد

وزير الدفاع الأمريكي: أوكرانيا يجب أن تتخلى عن أمل استعادة أراضيها من روسيا

أكد وزير الدفاع الأمريكي أن عضوية أوكرانيا في الناتو غير واقعية، وأوصى بالاستعداد لتسوية سلمية بدعم دولي.

قراءة المزيد

بعد لقائه بترامب، ملك الأردن يؤكد رفض بلاده تهجير الفلسطينيين في غزة

استضاف الرئيس ترامب الملك عبدالله الثاني في البيت الأبيض، وناقشا الوضع في غزة حيث أكد عبدالله معارضته لتشريد الفلسطينيين.

قراءة المزيد

سبب غير متوقع لغضب مشجعي برمنغهام من خسارة نيوكاسل

غضب مشجعي برمنغهام بسبب خطأ التحكيم بعد هدف مثير للجدل لنيوكاسل، مما جعلهم يتساؤلون عن غياب تقنية خط المرمى.

قراءة المزيد

تايمز: دبابات تشالينجر البريطانية زودت أوكرانيا بميزة كبيرة

دبابات تشالينغر البريطانية أعطت أوكرانيا ميزة كبيرة في المعارك، رغم محدودية عددها، مما يدل على فعاليتها المتفوقة.

قراءة المزيد

روسيا تسحب معداتها العسكرية من ميناء سوري بصورة واضحة

تسحب روسيا معداتها العسكرية من ميناء طرطوس السوري، مما يشير إلى تراجع وجودها العسكري هناك.

قراءة المزيد

روسيا تسحب المعدات العسكرية من ميناء سوري، الصور توضح

تحركت روسيا لسحب معداتها العسكرية من ميناء طرطوس السوري، مما يشير إلى انتهاء وجودها في المنطقة.

قراءة المزيد

زيارة الملك تعزز رؤية ترامب لخطة غزة لكن تحتاج إلى واقعية عربية.

بينما كانت الزيارة تهدف لتخفيف ضغوط ترامب، بدت نتائجها عكسية، مما زاد من إحباط الدول العربية.

قراءة المزيد

روسيا تسحب معداتها العسكرية من ميناء سوري، كما تظهر الصور

تسحب روسيا معداتها العسكرية من ميناء طرطوس السوري، مما يشير إلى تراجع وجودها العسكري هناك.

قراءة المزيد

لماذا يُعد الإنجيليون الأمريكيون المحافظون من أقوى داعمي إسرائيل

اجتمع رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو مع قادة إنجيليين في واشنطن، مما يعكس قوة العلاقة التاريخية بين إسرائيل والمسيحيين في أمريكا.

قراءة المزيد

إطلاق سراح ثلاثة معتقلين في بيلاروسيا، بينهم أميركي

أفرجت بيلاروسيا عن ثلاثة معتقلين، بينهم أميركي، بعد احتجازهم لفترة طويلة، وتسلمتهم السلطات الأميركية.

قراءة المزيد

ترامب يغير سياسة أمريكا حول أوكرانيا ويعلن بدء محادثات مع بوتين لإنهاء الحرب

ترامب: "أعتقد أن بوتين وزيلينسكي يريدون السلام، وأريد السلام أيضاً. يجب أن يتوقف قتل الناس".

قراءة المزيد

لماذا امتنعت زوجة راموس عن الانتقال معه إلى المكسيك؟

رفضت بيلار روبيو، زوجة راموس، الانتقال معه إلى المكسيك بعد انتقاله المفاجئ لفريق مونتيري لأسباب مهنية وشخصية.

قراءة المزيد