الانتصار

Photo of author

By العربية الآن


حفلت لحظات وقف النار في لبنان بمشاهد كثيرة للتاريخ. أعظمها كان مشهد طريق الجنوب في اتجاهين: نحو الجنوب، ونحو بيروت. على الأول، آلاف السيارات العائدة إلى ديارها، الثاني شبه خالٍ.

كان الجيش اللبناني، الذي سُمح له أخيراً بالعودة إلى مهامه، قد حذّر الجنوبيين من العودة المبكرة إلى قراهم حفاظاً على أمنهم، كما حذرهم الجيش الإسرائيلي، حفاظاً على أمنه. لم يصغِ العائدون إلا إلى نداء العودة حتى ولو إلى أكوام الركام. فالركام أكثر دفئاً من العراء، وسقف الكهوف أكثر رحمة من أجمل الأرصفة في العالم.

انقسم اللبنانيون كالعادة: هل ما حدث انتصار أم هزيمة؟ صمود «حزب الله» وقصف تل أبيب، والجليل الأعلى، وإرعاب حيفا وتفريغ شمال إسرائيل، أم الخراب الذي دمر الجنوب والبقاع وأباد صور التي عصت على الإسكندر الكبير؟

لا تردد لحظة واحدة بأن النصر كان في أرتال السيارات، الواحدة لصق الأخرى، عائدة بأهلها على طول مائة كيلومتر، إلى أرضها ومنازلها، تاركة خلفها ذل مراكز الإيواء والنوم في الشوارع، وتناول وجبات الشفقة.

هذه ليست المرة الأولى ينزح فيها أهل الجنوب عن دفء الحياة، وكرامة العيش أمام جنون الآلة العسكرية المريعة، لكن هذه المرة الأولى التي يصبح اللبناني لاجئاً في أرضه أمام عدو من حديد، وفولاذ، ووحشية الذكاء الاصطناعي.

انتصر العائدون ومعهم عائلاتهم إلى البيوت والمدن والقرى التي عمروها من شقاء الغربة وتعب الاغتراب. وينتصر أكثر من يدرك أن من الغباء تحويل مأساة وطنية في هذا الحجم إلى نزاع داخلي ينهش المزيد من قدرة لبنان على البقاء.

الحروب لا فوائد فيها، وأرواح الشهداء من أطفال ونساء، لا تشكل نصراً إلا بقدر ما تشكل حماية وعزاً. لكن الفائدة الكبرى في هذه المأساة، كانت في إدراك اللبنانيين أنهم ليسوا دولاً مستقلة ومتحاربة. بل هم في حاجة إلى بعضهم البعض، كما هو حال سائر الشعوب والأمم. ولا تستطيع فئة، أو جماعة، أن تتخذ لنفسها قرار الحرب والموت والحياة.

المشهد الثاني في هذه الجدارية التاريخية، كانت عودة الجيش. لبنان هو البلد الوحيد الذي عليه أن يستأذن في نشر جيشه وكأنه جزء من القوة الدولية. سوف يذهب كل هذا العذاب سدى إذا مضينا في الجدل العقيم. الانتصارات لا تأتي من الخارج. وأكبرها، أن تكون الناس تحت سقوفها.



رابط المصدر

قد يعجبك ايضا

آراء

طارق الحميد
كيف نتعامل مع سوريا الآن؟

العربية الآن

سمير عطا الله
عادي

العربية الآن

د. عبد الله الردادي
كوريا تهتز

العربية الآن

أقرأ أيضا

أضف تعليق

For security, use of Google's reCAPTCHA service is required which is subject to the Google Privacy Policy and Terms of Use.