<
div aria-live=”polite” aria-atomic=”true”>شهر رمضان الكريم شهد العديد من الأعمال الدرامية في المغرب، ما أثار نقاشات حول كيفية تجسيد حياة المغاربة في هذه الأعمال، فالبعض يثني على بعضها بينما يُنتقد البعض الآخر، فما هي العدسة المناسبة لفحص الأعمال الرمضانية؟ هل يجب النظر من خلال عدسة القيم الفنية أم ينبغي للعمل الدرامي أن يقدم محتوى معرفي وتاريخي يساعد على تنمية المجتمع وتطويره؟
ومن أجل فهم الساحة الدرامية في رمضان بالمغرب، تحدثت الجزيرة نت مع الناقد السينمائي البارز الدكتور الحبيب الناصري، الذي هو أستاذ وباحث متخصص في النقد السينمائي ورئيس مهرجان الفيلم الوثائقي بخريبكة، إليك الحوار:
ما تقييمك للأعمال الدرامية في شهر رمضان بالمملكة؟ هل هناك إضافات درامية جديدة أو تكرار معروف؟
يُعتبر السؤال عن التقييم سؤالًا يستوجب إصدار أحكام، ولكن في رأيي، الأحكام السطحية تعيق التقدم والتطوير في الأعمال الفنية التلفزيونية والسينمائية والمسرحية وغيرها. بدلاً من ذلك، يجب علينا أن نتجنب الانغماس في الحكم الذي يقدمه مواقع التواصل الاجتماعي بناءً على الانحيازات الشخصية والمواقف. من الأهمية بمكان أن نفهم كيف يُحكى القصة في العمل الفني التلفزيوني؟ وهل يتيح العمل المجال لتفسيرات متعددة؟
كل هذا يتوقف على تفاعل المشاهدين وخلفياتهم الثقافية، ودور الأعمال الفنية ضمن نظام التعليم والتربية. هذا هو جوهر الأمر، حيث تظل القيم والتقييمات الشخصية في صدارة المشهد، دون الوصول إلى الأسئلة العميقة والمحورية، وهذا التحدي لن يحقق إلا من خلال تضمين العنصر التربوي في الفن التلفزيوني. إذا لم يتم تضمين هذا الجانب في المناهج التعليمية، فسيتكرر تكرار الأسئلة في كل شهر رمضان. حتى قد يتم التمسك بنفس الأسئلة في رمضان 2025. يُلاحَظ كل ذلك ببساطة في كل شهر رمضان.
خلال السنوات الأخيرة، لجأت المسلسلات التاريخية إلى اللهجة العامية بدلاً من اللغة العربية الفصحى في تقديم الأحداث التاريخية، كيف ترى هذه التحولية وما تأثيراتها؟
ما ذكرته في إجابتي السابقة له علاقة وثيقة بهذا السؤال. في مصر، يُقال بشكل شائع “الجمهور عايز كده”. البحث عن الشهرة والانتشار يُطرح على المنتجين اليوم تحديات جديدة، خاصةً القنوات العامة التي يُفترض عليها تقديم خدمة ثقافية تنمي ذوق المشاهدين بدلاً من المنافسة على الشهرة. فما هو الهدف من المسلسلات التاريخية؟ هل تهدف إلى تعزيز المعرفة التاريخية واللغوية للمشاهدين؟ أم تهدف لزيادة المشاهدات؟
وما هي طبيعة هذه المسلسلات التاريخية؟ وفي أي سياق زمني تُقدم؟ هل يتناولون فترة زمنية قديمة تستدعي اللغة الفصحى؟ أم يتناولون فترة حديثة تُسمح بالتعايش مع العامية؟ هل هي لهجة مغربية واحدة تمتد من طنجة حتى الكويرة؟ أم هناك مجموعة من اللهجات المحلية في المغرب؟. كل منطقة لها لهجتها الخاصة النابعة من ثقافتها المحلية، بما في ذلك التأثيرات الحديثة والمفاهيم الجديدة. من يعيش في المنطقة الشرقية قد يستخدم كلمةتخالف من هم من يعيشون في الشمال أو الجنوب أو الغرب، وهل هناك احتمال يعتمد على استخدام لهجة مركزية قد تحل الجدل؟ وهل يمكن أن تحدث خارج إطار العمل الجماعي والأكاديمي والبحثي الذي قد يساهم في تجاوز هذه المشكلة؟ الأجيال السابقة نشأت في بيئة تاريخية ولغوية عريقة، خاصة عندما يتعلق الأمر بالمسلسلات التاريخية المتعلقة بالأندلس على سبيل المثال، أو بحقبة زمنية ماضية.
وفيما يتعلق بالمسلسلات التاريخية التي تتناول مواضيع تاريخية شعبية، يمكن هنا استخدام اللهجة المغربية المتعلقة بموضوع هذا المسلسل التاريخي الشعبي.
وعند صدور عمل درامي تاريخي جديد، يبدأ البعض في انتقاد ما يرونه “تزويرًا تاريخيًا”، فهل تُعد البحث التاريخي الدقيق واجبًا للمسلسلات التاريخية؟ وهل تُعتبر المسلسلات مصدرًا لبناء خلفية تاريخية دقيقة للمشاهدين؟
الإجابة على هذا السؤال تعتمد بشكل أساسي على ما تم طرحه في الإجابة الأولى. لا تزال المدرسة، وعمومًا المجتمع العربي بأسره، وليس فقط في المغرب، بعيدة عن استخدام الصورة بشكل فعال في عملية التعليم. وهذا هو السبب الرئيسي الذي يجعلنا نتابع جميع الأعمال التلفزيونية والسينمائية من خلال الواقع دون الوصول إلى مرحلة تحليل العمل الفني كعلامة لغوية-فنية، انطلاقًا من الواقع، لكن تصبح مستقلة عند القراءة.
وهذا يجعل الأفراد والمؤسسات يقارنون بين ما يُقدم وما حدث أو حدث. هذا من مهمة المؤرخ الذي يقوم بتسليط الضوء على فترة معينة من التاريخ، ثم يمكننا المساءلة والنقاش معه استنادًا إلى الوثائق التي بحوزته. ولكن المخرج أو الكاتب أو المخرج للعمل التلفزيوني أو السينمائي أو المسرحي أو الروائي، لديه حرية لإعادة تمثيل الحدث التاريخي وفقا لرؤيته الفنية والجمالية الخاصة. إنها رؤية تعكس تجاربه البصرية والفنية والثقافية. لذا يجب أن نركز عند مشاهدة عمل تاريخي على السؤال التالي: كيف تم تقديم هذا العمل؟.
وبالنسبة لي، يجب علينا أن نفصل بين دور المؤرخ والكاتب السينمائي والمخرج. من الضروري أن نعلم الأجيال الجديدة ثقافة الصورة. هل يمكن تحقيق ذلك في مجتمعات لا تزال تناقش ما إذا كان الصورة محرمة أم لا؟ في عصر الصورة، يصبح الأمي هو من لا يستطيع فهم رموز الصورة بدلا من أن يكون الأمي هو من لا يقرأ أو يكتب. كم من الأمي سيظهر في مجتمعنا العربي؟
ترد بعض الأعمال بجدل حيال ما يُعتبره البعض “إهانة لرجال ونساء التعليم”، هل يجب تقييم قيمة هذه الأعمال التلفزيونية والسينمائية؟ وهل يؤثر ذلك على معتقدات المشاهدين؟ أم ينبغي للنقاد الاكتفاء بتحليل العمل الفني والدرامي؟
هل ينبغي للعمل الفني أن يكون مستقلًا ويتم تحليله كعلامة فنية مستقلة من خلال السؤال “كيف” بدلا من “لماذا”؟ أم ينبغي لنا أن نستبدل الواقع بالبحث في كل عمل فني يعرض لنا؟ الحرية الفنية تتطلب استخدام الواقع كمنصة ونقطة الانطلاق، ثم بعد ذلك، ينبغي لنا، وفقًا لتعاليم النهج، قطع الصلة مع الواقع وتقديم العمل للجمهور ليستقبله ويفسره استنادًا إلى إطاره المنهجي والثقافي بشكل عام. التحفظ هنا هو نتاج للرؤية “المقدسة” المرتبطة بالمدرس أو الفقيه، وما إلى ذلك. هل يعني ذلك أن على الجميع تجنب جميع المهن الفنية؟ بالطبع لا. الفنان حر في كتابة وإخراج عمله، والجمهور حر أيضا في تفسير وتأويل هذا العمل، ولكن باستخدام أدوات فنية عالية المستوى بعيدا عن التعصب “الواقعي” الذي علينا أن نتجاهله عند متابعة عمل فني ما.
يجب أن نطرح السؤال ذاته عن هذه السلسلة وغيرها، هل يُعتبر هذا العمل غنيًا بالمحتوى البصري والذوقي والثقافي حتى نتمكن من استخلاص العديد من التفسيرات والقراءات؟ ومن الناحية السوسيولوجية، لماذا اتبع المخرج تلك “الرؤية”؟ هل هي نتيجة لتمثيلات خاصة أو تمثل وجهة نظر المجتمع نحو المخرج؟ بالإضافة إلى طبيعة الرؤية الشكلية المتواجدة في هذا العمل، هل يمكن تفسيره أم أنه عمل “تقريري” مباشر ولا يمكن تفسيره بشكل بصري أو ذوقي أو فني أو ثقافي؟
نحتاج بشدة إلى هذا النوع من الأسئلة بدلاً من المظاهرات الفردية والنقابات ووسائل التواصل الاجتماعي. كيف يمكن لمجتمعنا المغربي، وكل مجتمعاتنا العربية (نحن متشابهون في شعورنا بالحرج تجاه الصورة)، أن يسمح للفنون بالعمل على قضايا محسوبة عليها وأن يجعلها جسرًا لاكتشاف الجمال فيها وعمق المعاني، بدلا من إخضاعها للحذر من الدوافع الواقعية التي يجب علينا تجاهلها – حتى وإن كانت مؤقتة – أثناء متابعتنا لعمل فني.هل لديك عدسة بصرية قابلة للتفكيك تمامًا، وفق رؤى منهجية ونقدية وعلمية إنسانية بحثية متعددة؟
هل تأتي الإشادة الكبيرة التي حظيت بها بعض الأعمال الكوميدية المستقلة (التي لا تُعرض على التلفاز العام)، نتيجة لمناقشتها لمواضيع جريئة؟ يُنتقد في هذا السياق، من قبل شريحة كبيرة من المغاربة، عدد كبير من الأعمال الكوميدية.
ما قدم في برنامج “سي الكالة” هو منفذ نفسي للمشاهد الذي من خلاله يتفاعل هذا الجمهور – المواطن مع السلسلة، لأنه رأى فيها جانبًا من واقعه كما قدم. هنا نطرح مجددًا السؤال الصعب والمعقد، هل ينبغي للفنون أن تعكس الواقع كما هو؟ أم ينبغي لها الانطلاق منه والطيران بحرية، وإقامة واقعها الفني والجمالي المُستقل والقابل للعديد من التفسيرات؟ يؤكد الشاعر أدونيس أن كل عمل “جماهيري” هو عمل خارج إطار الفن والجمال، حتى لو كانت شعريته تنتمي للشعر الجماهيري؟ وهذا يعني أن العمل الفني الجماهيري هو عمل غير ذو قيمة جمالية وإبداعية وتجديدية.