تضارب الشعوب بالخارج.. ما الذي تعلمه المبادرة عن حالة الاقتصاد المصري؟

Photo of author

By العربية الآن



تضارب الشعوب بالخارج.. ما الذي تعلمه المبادرة عن حالة الاقتصاد المصري؟

إنعكاس سيارات المهاجرين المصريين من الرسوم
إنعكاس سيارات المهاجرين المصريين بالخارج من الجمارك والرسوم الضريبية، مقابل وديعة قيمة تلك الرسوم الضريبية بالدولار في حساب لوزارة الخزانة (شترستوك)
القاهرة- منذ طرحها نهاية سنة 2022، شهدت مبادرة “تسهيل استيراد سيارات المصريين بالخارج” عدة تعديلات وتمديدات، في محاولة من الحكومة المصرية للاستفادة القصوى من تحويلات المهاجرين بالخارج.

ورغم الأفكار الجيدة التيأعلنت حكومة جمهورية مصر العربية بشأن النتائج المتوقعة، وقد أثارت التقديرات المختلفة حول الأهداف المحددة تساؤلات حول قدرة المبادرة على تحقيقها.

ما هي النتائج النهائية لمبادرة سيارات المصريين في الخارج؟ هل نجحت في تحقيق الأهداف المنشودة؟ ما أهمية هذه المبادرة بالنسبة للاقتصاد المصري؟ وهل تعتبر أرقامها مؤشرا فعالا على نجاحها، سواء من حيث عدد المستفيدين أو حجم الأموال التي تم ضخها في الاقتصاد المصري؟

تم انتهاء مبادرة تسهيل استيراد سيارات المصريين في الخارج في 29 أبريل/أبريل الماضي، بعد تمديدها في يناير/كانون الثاني لمدة 3 أشهر، وأكدت الحكومة عدم نية تجديدها.

Workers fill cars as people queue and wait in their cars at Emarat petrol stations after an increase in fuel prices in Cairo, Egypt June 30, 2017. REUTERS/Amr Abdallah Dalsh
تأثير مبادرة سيارات المصريين في الخارج على مبيعات السوق المحلي بنسبة 30% (رويترز)

ما هي أهمية التحويلات للاقتصاد المصري؟

يصل عدد المصريين العاملين في الخارج إلى نحو 14 مليون مصري، معظمهم في دول الخليج، وفقًا لوزيرة الدولة للهجرة وشؤون المصريين في الخارج، السفيرة سها جندي، وهو يمثل حوالي 12.7% من إجمالي عدد السكان بحوالي 110 مليون نسمة.

تعتبر مصر من بين أكبر 6 دول في العالم من حيث حجم تحويلات العمالة، وتشكل إحدى أهم وأكبر مصادر النقد الأجنبي للبلاد بعد الصادرات، إلا أنها تراجعت بنسبة تزيد على الثلث في الفترة من 2022-2023 بسبب تقلبات سعر الصرف.

انخفضت تحويلات المصريين في الخارج من 31.9 مليار دولار في العام المالي 2021-2022 إلى 22.1 مليار دولار في العام 2022-2023 بانخفاض نسبته 30.8% على أساس سنوي، وفقًا للبنك المركزي المصري، حيث سجلت أدنى مستوياتها منذ 2016-2017.

المبادرة بالأرقام.. بين التوقع والواقع

تتلخص المبادرة في السماح للمغتربين باستيراد سيارة خاصة من دون دفع الرسوم والضرائب، باستثناء الضريبة الجمركية التي تخفض نسبتها إلى 30% (تتراوح بين 5 آلاف و13 ألف دولار) وتستعيد بعد 5 سنوات بالعملة المحلية بسعر الصرف الرسمي آنذاك. وفيما يلي النتائج:

  • إجمالي المبالغ المُحوَّلة بلغ 767 مليون دولار، وصلاحية الموافقة الاستيرادية صالحة لمدة 5 سنوات.
  • قيمة أوامر الدفع الصادرة للمستفيدين من المبادرة بلغت حوالي 1.8 مليار دولار.
  • تم الإفراج عن نحو 29 ألف سيارة، وسدد حوالي 265 ألف من الرسوم.
  • صدرت أوامر دفع لـ 602 ألف سيارة.

تباينت تقديرات المسؤولين المصريين بشأن نتائج المبادرة بشكل كبير منذ الإعلان عنها وتمديدها وانتهائها، حيث بدأت التقديرات بنحو 10 مليارات دولار، ثم انخفضت إلى 5 مليارات دولار ثم إلى 2.5 مليار دولار، على الرغم من أن الرقم الفعلي بلغ حوالي 800 مليون دولار مع استمرار عمليات الدفع.

ومع ذلك، تثير هذه المبادرات تساؤلات حول فعاليتها ونجاحها الفعلي وقدرتها على تحقيق الأهداف المرجوة في توفير السيولة من النقد الأجنبي.

تبلغ الفجوة التمويلية لمصر 28.5 مليار دولار بعد احتساب التدفّق الوارد من صفقة رأس الحكمة وتعزيز الاحتياطي النقدي، وذلك وفقا لتقديرات صندوق النقد الدولي.

عمال يملؤون السيارات أثناء انتظار الناس في سياراتهم في محطة وقود توتال في وقت مبكر يوم الجمعة، بعد تعويم الجنيه المصري من قبل البنك المركزي، في القاهرة، مصر، 4 نوفمبر 2016. رويترز/عمرو عبد الله دلش
مبادرة “مصر للخارج” أتمت جمع تقريبًا 800 مليون دولار حتى الآن منذ عام 2022 (رويترز)

ماذا يعلمنا البادرات عن الأوضاع الاقتصادية؟

مع استمرار التحديات التي تواجه الوضع الاقتصادي في البلاد وتصاعد الضغوط على العملة الأجنبية بسبب خدمة الديون، لا تزال الحكومة المصرية تقدم مبادرات جديدة للمصريين في الخارج في محاولة لجمع أكبر قدر من النقود الصعبة وتعزيز سيولة النقود الأجنبية في البلاد.

وتعكس هذه المبادرات أيضًا مدى تعقيد الوضع الاقتصادي الذي يواجهه مصر، حيث تضطر الحكومة إلى اتخاذ إجراءات غير تقليدية لتوفير النقود الأجنبية وتعزيز الاستقرار الاقتصادي.

ويكشف هذا التوجه الحاجة الماسة إلى اتخاذ إجراءات جذرية وفعالة لتعزيز النمو الاقتصادي وجذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة، لضمان استدامة الاقتصاد على المدى الطويل وتحقيق التنمية المستدامة.

مبادرات مبتكرة ونتائج متواضعة

نفى الخبير الاقتصادي وعضو لجنة الاقتصاد في البرلمان المصري سابقًا محمد فؤاد، هذا النوع من المبادرات، وقال: “إن هناك حاجة ماسة إلى إعادة التفكير في كيفية تشكيل العلاقة بين الدولة والمصريين في الخارج وكيفية التفكير في أموالهم ومدخراتهم، إذ لا يجب أن يكونوا ممتلكات عامة ولا ينبغي أن نرى فيهم دائمًا الحلا السهل المقبول للتعامل به بمقترحات تتجاوز الفائدة لجهة دون الأخرى”.

واعتبر، في تصريحات للجزيرة نت، أن تقدير هذه المبادرة بشكل مبالغ فيه، إذ كان من المقدر استهداف 10 مليارات دولار، وهو ما لم يحدث حتى بعد تعديل الأهداف وتمديدها مرارًا، مشيرًا إلى أهمية تحقيق المصالح المشتركة بين الدولة والمغتربين في مثل تلك المبادرات.

ولكن فؤاد أوضح أن تأثير مثل هذه المبادرات في تعزيز اقتصاد مصر يكاد يكون ضئيلًا، مشددًا على أنها تشير إلى وجود تفرد كبير في الإقدار وضعف في التخطيط، ورواج دائم للحلول السهلة مثل مدخرات المصريين في الخارج. مع زيادة الضغوط والتحديات، يتطلب الوضع التصدي للمشكلات على نحو شامل وتبني سياسات اقتصادية مستدامة وفعالة لتحقيق التنمية والنماء المستدام في مصر.

كيف تأثرت على سوق السيارات المحلي؟

على مستوى مستوردي السيارات في مصر والسوق المحلي، يقول عضو مجلس إدارة شعبة السيارات بالاتحاد العام للغرف التجارية منتصر زيتون، إنها “أثرت سلبًا على حصة المستوردين والوكلاء المحليين، وزادت من تدهور المبيعات مع تفاقم أزمة العملة الأجنبية في مصر”، مشيرًا إلى أن “هذه المبادرة استفادة متبادلة بين الأطراف استدعت إليها الضرورة في ظروف عاجلة لفترة معينة”.

وأوضح، في حديثه للجزيرة نت، أن حجم المبيعات في العام الماضي انخفض بنسبة 50٪ إلى حوالي 90 ألف سيارة بسبب الأزمة الاقتصادية، ما يعني أن المبادرة استهلت أكثر من 30٪ من سوق السيارات المحلية.

وأعرب زيتون عن توقعه بعدم تمديد مبادرة استيراد السيارات للمصريين في الخارج لعدة أسباب، منها أن العائد منها لا يشكل حلا مستدامًا لأزمة النقد الأجنبي، وأن الدولة تفقد إيرادات بالعملة المحلية.

وأشار إلى أن المبادرة غير جذابة بما فيه الكفاية بسبب تقديم وديعة بدون فوائد لمدة 5 سنوات بمبالغ كبيرة وأن العديد من المشاركين فيها كانوا يهدفون للتجارة بدلًا من الملكية، واستقرار سعر الدولار في مصر.

ويشير البعض إلى أن مثل هذه المبادرات قد تكون مجرد حلول مؤقتة وغير مستدامة لمشكلة أوسع نطاقًا، مما يثير تساؤلات حول الحاجة إلى استراتيجية شاملة للتعامل مع التحديات الاقتصادية.

المصدر : الجزيرة



أضف تعليق

For security, use of Google's reCAPTCHA service is required which is subject to the Google Privacy Policy and Terms of Use.